الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي}.يا ابن أم يا حرف نداء وابن أم اسمان مبنيان على الفتح لتركبهما تركب الأعداد مثل خمسة عشر أو الظروف مثل صباح مساء فعلى هذا ليس ابن مضافا إلى أم بل هو مركب معها فحركتهما حركة بناء وقد تقدم تفصيل هذا التركيب في الأعراف وعلى كل فهما في محل نصب منادى وانما اقتصر في خطابه على الأم مع أنه شقيقه لأن ذكر الأم أعطف لقلبه، ولا ناهية وتأخذ فعل مضارع مجزوم بلا الناهية والفاعل مستتر تقديره أنت وبلحيتي متعلقان بتأخذ ولا برأسي عطف على بلحيتي. قيل كان موسى مجبولا على الحدة والغضب للّه ولدينه فلم يتمالك حين رأى قومه يعبدون غير اللّه أن أخذ برأس أخيه وبشعر وجهه يجره إليه. {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.ان واسمها وجملة خشيت خبر إن وأن وما في حيزها مفعول خشيت وجملة فرقت مقول القول وبين ظرف مكان متعلق بفرقت وبني إسرائيل مضاف إليه ولم ترقب قولي عطف على فرقت أي وخشيت أن تقول لم ترقب قولي وعلى هذا يكون الضمير في قولي واقعا على موسى، ويجوز عطفها على خشيت فيكون الضمير في قولي واقعا على هارون. {قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ} قال فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على موسى والفاء عاطفة أو استئنافية وما استفهامية مبتدأ وخطبك خبر ويا حرف نداء وسامري منادى مفرد علم. {قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} جملة بصرت مقول القول وفاعل قال هو أي السامري، وبما متعلقان ببصرت وجملة لم يبصروا به صلة، فقبضت عطف على بصرت وقبضة مفعول به، وهي مصدر مرة من قبض وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر، ومن أثر صفة لقبضة وأثر مضاف والرسول مضاف إليه على تقدير محذوفين أي من أثر حافر فرس الرسول والمعنى من تربة موطئه، وتفصيل القصة في المطولات وسنلخص لك ما قالوه في باب البلاغة {فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.فنبذتها عطف على قبضت أي ألقيتها، وكذلك نعت لمصدر محذوف وقد تقدم وسولت لي نفسي فعل وفاعل أي زينت لي نفسي.{قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ} قال فعل ماض وفاعله يعود على موسى، فاذهب الفاء عاطفة واذهب فعل أمر فاعله أنت، فإن الفاء عاطفة وإن حرف مشبه بالفعل ولك خبرها المقدم وفي الحياة متعلقان بمحذوف حال وأن وما بعدها اسم إن ولا نافية للجنس ومساس اسم لا والخبر محذوف فهو مبني مع لا الجنسية والمراد به النهي أي لا تمسني ولا أمسّك، ومساس مصدر ماس كقتال مصدر قاتل، قال الزمخشري: عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة حم الماس والممسوس فتحامى الناس وتحاموه. {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ} وإن حرف مشبه بالفعل ولك خبرها المقدم وموعدا اسمها المؤخر ولن حرف نفي ونصب واستقبال وتخلفه منصوب بلن ونائب الفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به ثان. {وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} وانظر الواو عاطفة وانظر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وإلى إلهك متعلقان بانظر، والذي صفة وجملة ظلت صلة وظلت فعل ماض ناقص، وأصله ظللت بلامين وأولاهما مكسورة حذفت تخفيفا، وعليه متعلقان بعاكفا وعاكفا خبر ظلت، ولنحرقنه اللام موطئة للقسم ونحرقنه فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به، ثم حرف عطف لننسفنه مثل نحرقنه وفي اليم متعلقان بننسفنه ونسفا مفعول مطلق.{إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} إنما كافة ومكفوفة وإلهكم مبتدأ واللّه خبره والجملة مستأنفة والذي نعت وجملة لا إله إلا هو صلة وقد تقدم اعرابها كثيرا ووسع فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو وكل شيء مضاف إليه وعلما تمييز من فاعل وسع.
أراد أنه يقتطع ما في الصدور من الضغائن أي يزيل ذلك بإحسانه من عفو وغيره فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وحذف المضاف أكثر من حذف المضاف إليه ومما جاء من حذف المضاف إليه في القرآن الكريم قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أي من قبل الغلب ومن بعده.خلاصة قصة السامري:هذا وسنخرج عن النطاق الذي ترسمناه في هذا الكتاب وهو نطاق الاعراب واللغة والبيان فنورد لمحة خاطفة عن قصة السامري لعلاقتها بما نحن بصدده تاركين للقارئ مجال الرجوع إلى المطولات.ففي الوقت الذي حل ميعاد الذهاب إلى الطور أرسل اللّه إلى موسى جبريل راكبا حيزوم فرس الحياة ليذهب به، فأبصره السامري فقال: إن لهذا شأنا فقبض قبضة من أثر تربة موطئه فلما سأله موسى عن قصته قال: قبضت من أثر فرس المرسل إليك يوم حلول الميعاد ولعله لم يعرف أنه جبريل، وقيل أنه كلما وضعت الفرس حافرها على شيء اخضر، فعرف أن للتراب الذي تضع الفرس حافرها عليه شأنا وقيل غير ذلك مما لا تطمئن إليه النفس ويحتاج إلى كثير من التمحيص.
وفي المغني أن تقديم حال النكرة عليها ليس لأجل تسويغ الحال فيها بل لئلا يلتبس الحال بالصفة.2- أن يكون صاحبها مخصوصا بوصف كقول الشاعر: فمشحونا حال من فلك لوصفه بماخر.3- أن يكون صاحبها مخصوصا باضافة كقوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ} فسواء حال من أربعة لاختصاصها بالإضافة إلى أيام.4- أن يكون صاحبها مخصوصا بمعمول نحو: عجبت من ضرب أخوك شديدا، فشديدا حال من ضرب لاختصاصه بالعمل في الفاعل وهو أخوك.5- أن يكون صاحبها مخصوصا بعطف نحو: هؤلاء أناس وعبد اللّه منطلقين، فمنطلقين حال من أناس لاختصاصه بالعطف عليه وهو عبد اللّه.6- أن يكون صاحبها مسبوقا بنفي كقوله تعالى: {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ} فجملة ولها كتاب معلوم حال من قرية لكونها مسبوقة بالنفي، وقد مرّ أن الزمخشري يرد هذا القول ويجعل الجملة صفة لقرية وانما توسطت الواو بينهما لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف.7- أن يكون صاحبها مسبوقا بنهي كقول الطرماح: فمتخوفا حال من أحد لأنه مسبوق بالنهي.8- أن يكون صاحبها مسبوقا باستفهام كقول أحد الطائبين: فباقيا حال من عيش لكونه مسبوقا بالاستفهام بهل، وصاح منادى مرخم صاحب على غير قياس وحم بالحاء المهملة بمعنى قدر والإبعاد مصدر أبعد والأمل مفعوله.هذا وقد يقع صاحب الحال نكرة بلا مسوغ كقولهم عليه مائة بيضا، فبيضا بلفظ الجمع حال من مائة وليس تمييزا خلافا للمبرد لأن تمييز المائة لا يكون جمعا منصوبا ولا مجرورا وهو من أمثلة سيبويه، وفي الحديث: صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاعدا ووراءه رجال قياما، فقياما حال من رجال وهو نكرة بلا مسوغ.
وهو من أبيات ممتعة نوردها بكاملها: 2- أن المراد العمى لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق.{يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي يخفضون أصواتهم ويخفونها لما لحقهم من الرعب والهول وفي المختار: خفت الصوت سكن وبابه جلس والمخافتة والتخافت والخفت بوزن السبت: أسرار المنطق.{أَمْثَلُهُمْ}: أفضلهم وأعدلهم رأيا أو عملا في الحياة الدنيا وجمعه أماثل ومثل ومؤنثه مثلى، وأماثل القوم خيارهم، والطريقة المثلى الشبهى بالحق ويقال المريض اليوم أمثل أي أحسن حالة، وقال امرؤ القيس يصف الليل من معلقته:
ورجل هضيم ومهتضم أي مظلوم، وهضمته واهتضمته وتهضمته كله بمعنى.
|